كيف تتحكم في مشاعرك باستخدام علم النفس؟

المشاعر جزء لا يتجزأ من التجربة الإنسانية. فهي تؤثر على قراراتنا، علاقاتنا، وحتى صحتنا النفسية والجسدية. ولكن، عندما تفقد السيطرة على مشاعرك، قد تجد نفسك تتصرف بطرق تندم عليها لاحقًا، أو تعيش في حالة من القلق والتوتر الدائم. وهنا يتدخل علم النفس ليمنحنا أدوات واستراتيجيات فعّالة تساعدنا على فهم مشاعرنا والتحكم فيها بطريقة صحية ومتزنة.

في هذا المقال، سنأخذك في رحلة عميقة إلى عالم المشاعر، من منظور علم النفس، وسنشرح لك بالتفصيل كيف يمكنك استعادة زمام السيطرة على حياتك العاطفية.


🎯 أولاً: فهم المشاعر – الخطوة الأساسية نحو التحكم

قبل أن تتمكن من التحكم في مشاعرك، عليك أولاً أن تفهمها. المشاعر لا تظهر من العدم، بل هي نتيجة لتفاعل عقلك مع المواقف من حولك. يمكننا تصنيف المشاعر إلى نوعين أساسيين:

  • مشاعر أساسية: مثل الفرح، الحزن، الخوف، الغضب، الدهشة، والاشمئزاز.
  • مشاعر مركبة: تنتج عن مزج المشاعر الأساسية، مثل الغيرة (مزيج من الحب والغضب والخوف).

علم النفس يقول: عندما تتعرف على الشعور الذي تعيشه بدقة، فأنت تخفف من قوته عليك بنسبة كبيرة.

🔍 كيف تميز مشاعرك بدقة؟

  • اسأل نفسك: ماذا أشعر الآن؟ ولماذا؟
  • حاول استخدام مفردات دقيقة: بدلًا من قول “أنا تعبان”، جرّب “أنا أشعر بالإحباط لأنني أواجه ضغوطًا في العمل”.
  • اكتب مشاعرك في دفتر يوميات: التدوين أداة قوية لفهم الذات.

🧠 ثانيًا: العلاقة بين التفكير والمشاعر

يُخبرنا علم النفس المعرفي أن مشاعرنا لا تنتج عن الأحداث، بل عن تفسيرنا لتلك الأحداث. بمعنى آخر، ليس ما يحدث هو ما يزعجك، بل كيف ترى ما يحدث.

مثال بسيط:

  • شخصان تأخرا عن مقابلة عمل.
  • الأول يقول: “أنا فاشل، لن أنجح أبدًا”.
  • الثاني يقول: “لقد تأخرت، لكنني سأحاول التعويض في المقابلة القادمة”.

كلاهما عاش نفس الحدث، لكن تفكير كل منهما أدى إلى مشاعر مختلفة تمامًا.

التقنية المستخدمة هنا تُعرف باسم “إعادة الهيكلة المعرفية”، وهي من أقوى أدوات علم النفس للتحكم في المشاعر.


💡 ثالثًا: تقنيات عملية من علم النفس تساعدك في التحكم في مشاعرك

1. تقنية التنفس العميق (Breathing Exercises)

عندما تسيطر المشاعر السلبية كالغضب أو التوتر، فإن التنفس يصبح سريعًا وسطحيًا. علم النفس يقترح العودة إلى التنفس العميق كأداة فورية للتهدئة.

كيف تقوم بذلك؟

  • خذ شهيقًا عميقًا من الأنف لمدة 4 ثوانٍ.
  • احبس النفس لـ4 ثوانٍ.
  • أخرج النفس ببطء من الفم لمدة 6 ثوانٍ.
  • كرر التمرين 5 مرات.

2. التعاطف مع الذات (Self-Compassion)

لا تكن قاسيًا على نفسك عند شعورك بالحزن أو الفشل. بدلًا من ذلك، مارس الرحمة الذاتية. تحدث إلى نفسك كما لو كنت تتحدث إلى صديق مقرّب يمر بوقت صعب.

الأبحاث تُظهر أن الأشخاص الذين يمارسون التعاطف مع أنفسهم يتمتعون بصحة نفسية أفضل، ويستعيدون توازنهم العاطفي بسرعة أكبر.

3. الوعي التام (Mindfulness)

هي حالة من الانتباه الكامل للحظة الحالية، بدون إطلاق الأحكام. يساعدك على مراقبة مشاعرك من دون أن تنجرف معها.

كيف تطبقه؟

  • اجلس في مكان هادئ.
  • ركز على أنفاسك.
  • راقب أي شعور أو فكر يظهر دون أن تحكم عليه.
  • اسمح له بالمرور كأنه غيمة في السماء.

🔄 رابعًا: اعرف أن المشاعر مؤقتة

غالبًا ما نشعر وكأن المشاعر السلبية لن تنتهي أبدًا، لكن الحقيقة أن المشاعر مؤقتة بطبيعتها. ما تشعر به الآن قد لا يكون له أي أثر بعد ساعة أو يوم.

أحد المبادئ الأساسية في العلاج السلوكي الجدلي (DBT) هو “كل شيء مؤقت”، وهذا يساعد كثيرًا في تقبل المشاعر دون رفضها أو الهروب منها.


🧭 خامسًا: ضع مشاعرك في خدمتك

المشاعر ليست عدوًا، بل يمكن أن تكون بوصلة تساعدك على فهم نفسك واحتياجاتك. بدلًا من محاولة التخلص منها، تعلّم الاستماع إليها.

  • الخوف قد يكون إشارة لحاجة إلى الأمان.
  • الغضب قد يكشف عن تعرضك للظلم.
  • الحزن قد يدل على أن هناك شيئًا ذا قيمة قد فقدته.

📌 خلاصة: كيف تبني ذكاءً عاطفيًا متينًا؟

إليك خطوات عملية للتحكم في مشاعرك باستخدام أدوات علم النفس:

  1. راقب مشاعرك وتعرف عليها بدقة.
  2. افصل الحدث عن التفسير.
  3. استخدم تقنيات مثل التنفس والتأمل.
  4. عامل نفسك بلطف، لا بقسوة.
  5. تقبل المشاعر كمؤشرات، لا كأعداء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى